كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} جملة مستأنفة لبيان الوصية في الأولاد فلابد من تقدير ضمير يرجع إليهم: أي للذكر منهم. والمراد حال اجتماع الذكور والإناث، وأما حال الانفراد فللذكر جميع الميراث وللأنثى النصف، وللأنثيين فصاعدا الثلثان. {فَإِنْ كُنَّ}: أي الأولاد، والتأنيث باعتبار الخبر أو البنات أو المولودات {نِساءً} ليس معهن ذكر {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}: أي زائدات على اثنتين- على أن فوق صفة لنساء أو يكون خبرا ثانيا لكان- {فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ} الميت المدلول عليه بقرينة المقام.
وظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاثة من البنات فصاعدا ولم يسم للاثنتين فريضة. ولهذا اختلف أهل العلم في فريضتهما: فذهب الجمهور إلى أن لهما إذا انفردتا عن البنين الثلثين، وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف، واحتج الجمهور بالقياس على الأختين فإن اللّه سبحانه قال في شأنهما: {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ} فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين كما ألحقوا الأخوات- إذا زدن على اثنتين- بالبنات في الاشتراك في الثلثين.
وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث كان للابنتين- إذا انفردتا- الثلثان ولهذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين. وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف. فهذا دليل على أن هذا فرضهما. ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن اللّه سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت بقوله: {تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} كان فرض البنتين إذا انفردتا فوق فرض الواحدة وأوجب القياس على الأختين الاقتصار على الثلثين.
وقيل: فوق زائدة والمعنى: وإن كنّ نساء اثنتين كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} [الأنفال: 12] أي الأعناق. وروى هذا النحاس وابن عطية فقالا: هو خطأ! لأن الظروف وجميع الأسماء لا تجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.
قال ابن عطية: ولأن قوله: {فَوْقَ الْأَعْناقِ} هو الفصيح وليست {فوق} زائدة بل هي محكمة المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، وهكذا لو كان لفظ فوق زائدا- كما قالوا- لقال فلهما ثلثا ما ترك ولم يقل فلهن.
وأوضح ما يحتج به الجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي في سننه عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ فقال: يقضي اللّه في ذلك فنزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الآية فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك». أخرجوه- من طرق- عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن جابر. قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه.
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والمراد بالأبوين الأب والأم والتثنية على لفظ الأب للتغليب.
وقد اختلف أهل العلم في الجد: هل هو بمنزلة الأب فيسقط بالأخوة أم لا؟ فذهب أبو بكر الصديق إلى أنه بمنزلة الأب ولم يخالف أحد من الصحابة أيام خلافته، واختلفوا في ذلك بعد وفاته فقال يقول أبي بكر بن عباس وعبد اللّه بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاووس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} [الحج: 78] وقوله: {يا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26]. وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ارموا يا بني إسماعيل».
وذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الجدّ مع الإخوة لأبوين أو لأب، ولا ينقص معهم عن الثلث ولا ينقص مع ذوي الفروض عن السدس.
في قول زيد ومالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي.
وقيل: يشرك بين الجد والإخوة إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة وذهب الجمهور إلى أن الجدّ يسقط بني الإخوة.
وروى الشافعي عن علي عليه السلام أنه أجرى بني الأخوة في المقاسمة مجرى الأخوة.
وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب شيئا وعلى أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وأجمعوا على أنها ساقطة مع وجود الأم، وأجمعوا على أن الأب لا يسقط الجدّة أم الأمّ.
واختلفوا في توريث الجدة وابنها حيّ فروي عن زيد بن ثابت وعثمان بن علي أنها لا ترث وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وروي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى أنها ترث معه، وروي أيضا عن علي وعثمان وبه قال شريح وجابر بن زيد وعبيد اللّه بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر.
{مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ} الولد يقع على الذكر والأنثى لكنه إذا كان الموجود الذكر من الأولاد- ووحده أو مع الأنثى منهم- فليس للجد إلا السدس، وإن كان الموجود أنثى كان للجد السدس بالفرض وهو عصبته فيما عدا السدس. وأولاد ابن الميت كأولاد الميت.
{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ}: أي ولا ولد ابن- لما تقدّم من الإجماع- {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ} منفردين عن سائر الورثة كما ذهب إليه الجمهور من أن الأم لا تأخذ ثلث التركة إلا إذا لم يكن للميت وارث غير الأبوين أما لو كان معهما أحد الزوجين فليس للأم إلا ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين. {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وروي عن ابن عباس أن للأم ثلث الأصل مع أحد الزوجين وهو مستلزم تفضيل الأمّ على الأب في مسألة زوج وأبوين مع الاتفاق على أنه أفضل منها عند انفرادهما عن أحد الزوجين {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}: إطلاق الاخوة لأبوين أو لأحدهما، وقد أجمع أهل العلم على أن الاثنين من الإخوة يقومان مقام الثلاثة فصاعدا في حجب الأمّ إلى السدس إلا ما يروى عن ابن عباس من أنه جعل الاثنين كالواحد في عدم الحجب.
وأجمعوا أيضا على أن الأختين فصاعدا كالأخوين في حجب الأم {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ} واختلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه مقدما عليها بالإجماع، فقيل: المقصود تقديم الأمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب بينهما، وقيل: لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدّمت اهتماما بها وقيل: قدّمت لكثرة وقوعها فصارت كالأمر اللازم لكل ميت. وقيل: قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء وأخّر الدّين لكونه حظ غريم يطلب بقوة وسلطان. وقيل: لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت قدّمت، بخلاف الدين فإنه ثابت مؤدى ذكر أم لم يذكر.
وقيل: قدّمت لكونها تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض فربما يشق على الورثة إخراجها، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
{آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} قيل: خبر قوله: {آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ} مقدر: أي هم المقسوم عليهم، وقيل: أن الخبر قوله لا تَدْرُونَ وما بعده و{أَقْرَبُ} خبر قوله: {أَيُّهُمْ} و{نَفْعًا} تمييز: أي لا تدرون أيهم قريب لكم نفعه في الدعاء لكم والصدقة عنكم كما في الحديث الصحيح: «أو ولد صالح يدعو له» وقال ابن عباس والحسن: «قد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه» وقال بعض المفسرين: إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الآخرة سأل اللّه أن يرفع أباه، وإذا كان الأب أرفع درجة من ابنه سأل اللّه أن يرفع ابنه إليه. وقيل: المراد النفع في الدنيا والآخرة قاله ابن زيد، وقيل: المعنى أنكم لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم، من أوصى منهم فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا أو من ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا؟ وقوى هذا صاحب الكشّاف قال لأن الجملة اعتراضية، ومن حق الاعتراض أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه.
قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} نصب على المصدر المؤكد. وقال مكي وغيره هي حال مؤكدة، والعامل يوصيكم والأوّل أولى.
{إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا} بقسمة المواريث {حَكِيمًا} حكم بقسمتها وبينها لأهلها.
وقال الزجاج: عليما بالأشياء قبل خلقها حكيما فيما يقدره ويمضيه.
{وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} الخطاب هنا للرجال. والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من الإجماع {فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} وهذا مجمع عليه لم يختلف أهل العلم في أن للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن سفل الربع.
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ} الكلام فيه كما تقدم.
{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ} هذا النصيب مع الولد والنصيب مع عدمه تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه الأكثر من واحدة لا خلاف في ذلك، والخلاف في الوصية والدين كما تقدّم.
{وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} المراد بالرجل الميت و{يُورَثُ} على البناء للمفعول من ورث لا من أورث وهو خبر كان، وكَلالَةً حال من ضمير {يُورَثُ}، وقيل: غير ذلك.
والكلالة مصدر من تكلله النسيب: أي أحاط به وبه سمي الإكليل لإحاطته بالرأس. وهو الميت الذي لا ولد له ولا والد وهذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعليّ وجمهور أهل العلم، وبه قال صاحب كتاب العين وأبو منصور اللغوي وابن عرفة والقتيبي وأبو عبيد وابن الأنباري، وقد قيل: إنه إجماع.
وقال ابن كثير: وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة وهو قول القضاة السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم، وقد حكى الإجماع غير واحد وورد فيه حديث مرفوع انتهى.
وروى أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة أنه قال الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.
قال أبو عمر وابن عبد البر: ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره غيره، وما يروى عن أبي بكر وعمر من أن الكلالة من لا ولد له خاصة، فقد رجعا عنه.
وقال ابن زيد: الكلالة: الحيّ والميت جميعا، وإنما سموا القرابة كلالة لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم، بخلاف الابن والأب فإنهما طرفان له، فإذا ذهبا تكلله النسب.
وقيل: إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء.
قال ابن الأعرابي: إن الكلالة بنو العم الأباعد.
وبالجملة من قرأ {يورّث كلالة} بكسر الراء مشددة- وهو بعض الكوفيين: أو مخففة وهو الحسن وأيوب- جعل الكلالة القرابة، ومن قرأ يُورَثُ بفتح الراء- وهم الجمهور- احتمل أن يكون الكلالة الميت واحتمل أن يكون القرابة.
وقد روي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس والشعبي أن الكلالة: ما كان سوى الولد والوالد من الورثة.
قال الطبري: الصواب أن الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولد ووالد، لصحة خبر جابر: قلت يا رسول اللّه إنما يرثني كلالة أفأقضي بمالي كله؟ قال: «لا» انتهى.
وروي عن عطاء أنه قال: الكلالة المال.
قال ابن العربي: وهذا قول ضعيف لا وجه له.
وقال صاحب الكشّاف: إن الكلالة تنطبق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد. انتهى.